إمارة إنطاكية في عهد"روجرالإنطاكي(506- 513هـ/1112-1119م):

رابعاً– إمارة إنطاكية في عهد"روجرالإنطاكي(506- 513هـ/1112-1119م):
أوصى "تنكرد" بالحكم وهو على فراش الموت إلى ابن عمه "روجر دي سالرنو" الذي أصبح أميراً على "إنطاكية" ( سنة 506هـ / 1112م ) وكان " روجر" متزوجاً من "سيسيليا" أخت " بلدوين دي بورغ" أمير"الرها" ، كما أن "ماري" أخت "روجر" أصبحت الزوجة الثانية لـ"جوسلين دي كورتناي" لذلك فإن العلاقات كانت قوية بين إمارتي "الرها" و"إنطاكية" .
أظهر "روجر" في بداية حكمه شجاعة في محاربة السلاجقة المسلمين الذين قاموا بحملة على "بيت المقدس" ، حيث قاد "مودود بن التونتاش" أتابك "الموصل" و"تميرك" صاحب "سنجار" و"إياز بن إيلغازي" أمير "ماردين" و"طغتكين" أتابك "دمشق" حملة ضد الصليبين في مملكة "بيت المقدس" وكان "طغتكين" هو الذي وجه الحملة إلى مملكة "بيت المقدس" للانتقام من الصلبين الذين كانوا يشنون الغارات على "دمشق" وملحقاتها .
وأخبر "بلدوين" أمير "الرها" "بلدوين" ملك " بيت المقدس" بتلك الحملة ، فخف لنجدة مملكة " بيت المقدس" كل من "روجر" أمير"إنطاكية" , و"بونز" أمير"طرابلس" ولم يشاركهم أمير "الرها" للخطر الذي يهدد إمارته .
وفي البداية ألحق المسلمون الهزيمة بالملك "بلدوين" عند جسر "الصنبرة" وكسر "بلدوين" والتقى صليبيو "بيت المقدس" المنهزمين بقوات "روجر" و"بونز" فقويت نفوسهم وعادوا للحرب ، ورغم ذلك انهزموا ، وعاد المسلمون لديارهم على أن يعودوا لقتال الصليبين في الربيع القادم وتوجه "مودود" إلى "دمشق" بصحبة "طغتكين" ، وقتل في "دمشق" ( عام 507هـ/ 1113م ) بتدبير من "طغتكين" .
وبعد قتل "مودود" كلف السلطان "محمد بن برسق السلجوقي " صاحب "همذان" و"خوزستان" بقيادة الحرب ضد الصليبين و الانتقام لمقتل "مودود" أي أن هدف الحملة هو :
1- إخضاع المسلمين الذين قطعوا صلتهم بالسلطة السلجوقية مثل"طغتكين" في "دمشق" و" بدر الدين لؤلؤ" في "حلب" و"إيلغازي" و"الأراتقة" في "ديار بكر" .
2- محاربة الصليبين في إمارتي "إنطاكية" و" الرها" .
هاجم "برسق" "حماه" ونهبها لمدة ثلاثة أيام ، ثم هاجم " كفر طاب" واضطر للانسحاب لوصول "بلدوين الأول" ملك "بيت المقدس" و"بونز" أمير "طرابلس" ، لكن انسحاب "برسق" للجزيرة كان خدعة ، فبعد أن عاد "بلدوين" إلى "القدس" و"بونز" إلى "طرابلس" و"طغتكين" إلى "دمشق" وقوات "حلب" إلى"حلب" و"روجر" إلى إنطاكية" و"إيلغازي" إلى "ماردين" ، عاد "برسق" إلى "كفرطاب" واستولى عليها ( سنة 509هـ/ 1115م ) وسلمها إلى "بني منقذ" وذهب إلى "معرة النعمان" ثم رحل إلى "دانيث" الواقعة بين "حلب" و"كفرطاب" ، وما كان من "روجر الإنطاكي" و"بلدوين" أمير "الرها" إلا أن هاجموا القوات السلجوقية التي كانت تعسكر غربي "سرمين" عند "دانيث" وقتلوا منهم الكثير وفرّ الباقون وعلى رأسهم "برسق" نفسه ( سنة 509هـ/ 1115م ) ، ثم توفي "برسق" بعد بضعة أشهر متأثراً بعار الهزيمة ، وبعد هزيمة "دانيث" أخلى"بني منقذ""كفرطاب" فاحتلها "روجرالإنطاكي" فعقدوا صلحاً معه تعهدوا فيه بعدم الاعتداء على القوافل الصليبية بين "إنطاكية" و"بيت المقدس" .
ولما تولى "يارقماش" الوصاية على "حلب" أسرع إلى استرضاء "روجر" وعقد معه صلحاً ، فقد حمل الأموال إلى "روجر" وسلمه حصن"القبة" على الطريق بين "السلمية" و"حلب" ، وأعطى "روجر" الحق في فرض ضرائب على قوافل الحجاج بين "حلب" و"الحجاز" .
وهكذا غدت"حلب"منذ (سنة 511هـ/1117م ) تحت حماية صليبيي"إنطاكية"، ولم يلبث أن تجدد العداء بين"حلب" و"إنطاكية" لأن الحلبيين سلموا بلدهم إلى الأمير التركماني"نجم الدين بن إيلغازي بن أرتق" صاحب"ماردين" و"ديار بكر" فقد حاصر الصليبيون "إعزاز" وزحفوا على " بزاعة" ( سنة 513هـ/ 1119م) وبذلك بسط "روجر"سيطرته على جميع الأجزاء المحيطة"بحلب" من جهتي الغرب والشمال.
* موقعة البلاط ( ساحة الدم ) ( 513 هـ / 1119م ) :
اشتد ضغط الصليبين على"حلب" لذلك حشد"إيلغازي بن أرتق" قواته وانضم إليه "أسامة بن المبارك بن شبل الكلابي" والأمير "طغان أرسلان" صاحب "بدليس" و"أرزن" و"طغتكين" أتابك "دمشق" ، وقرروا محاربة الصليبين .
وتوجه "إيلغازي" على رأس القوات المتحالفة إلى "الفرات" فهاجم " تل باشق" و"الرها" ثم عبر "الفرات" عند " بالس" ، واتجه إلى "قنسرين" لينقذ "حلب" وكان عدد القوات الإسلامية (40) ألفاً , أمام ذلك طلب " روجر" النجدة من "بلدوين الثاني" ملك مملكة "بيت المقدس" وقوات إمارة "طرابلس" فتابع سيره حتى وصل إلى "جسر الحديد" ومعه (700) فارساً و(4000) من المشاة .
وعلم "إيلغازي" عن طريق جواسيسه بضعف قوة "روجر" لذلك قرر الهجوم على "روجر" قبل تجمع الصليبين ، فدارت موقعة البلاط في سهل قريب من "أرتاح" وانتهت المعركة بتدمير الجيش الإنطاكي الصليبي وقتل "روجر" في هذه المعركة ، وأطلق على السهل الذي دارت فيه المعركة اسم "ساحة الدم" بسبب كثرة القتلى الصليبين في هذه المعركة .
بالنسبة لـ"إنطاكية" فيعود الفضل إلى بطريركها " برنارد دي فالنس" في رعاية شؤون المدينة وحماية تحصيناتها لحين وصول الملك " بلدوين الثاني" ملك " بيت المقدس" الذي تسلم الوصاية على إمارة "إنطاكية" ريثما يحضر "بوهيموند الثاني بن بوهيموند الأول " مؤسس إمارة "إنطاكية" .
وقد حاصر"إيلغازي الأرتقي"و"طغتكين" أتابك دمشق"الأتارب" فسقطت بأيديهما(عام513هـ/1119م) واتجها بعد ذلك إلى قلعة "زردنه" التي استسلمت بعد مقاومة عنيفة .
وفي ( سنة 513 هـ / 1119م ) دارت معركة جديدة عند "دانيث" بين المسلمين والملك "بلدوين" وانتهت بنتيجة غير حاسمة لصالح "إيلغازي" و"طغتكين" أو لصالح الصليبين .
وجدد "إيلغازي" هجماته على الصليبين ( 514هـ/ 1120م ) واجتاح المنطقة التابعة لإمارة "الرها" ولما اقترب من"إنطاكية" استنجد أهلها بالملك"بلدوين"الذي قدم لنجدة"إنطاكية" وانضم له "جوسلين دي كورتناي" أمير"الرها" وحضر"طغتكين" لمساعدة "إيلغازي" ولكن لم يحدث أي اشتباك بين الطرفين وانتهى الأمر بعقد هدنة اعترف فيها "إيلغازي" بحق إمارة "إنطاكية" بالاحتفاظ بممتلكاتها شرقي " نهر العاصي" وهي ( البارة – معرة النعمان – كفرطاب ) وبعد ذلك عاد " بلدوين" إلى " بيت المقدس" .
وعلى الجبهة الشرقية وقع " جوسلين دي كورتناي" أمير "الرها" في قبضة " بلك بن بهرام الأرتقي" صاحب قلعت "خرتبرت" ( عام 516هـ/ 1122م ) .
ولم تلبث إمارة الأراتقة أن تمزقت بعد وفاة عاهلها "إيلغازي" (سنة 516هـ/ 1122م ) فآلت "حلب" إلى "بدر الدين سليمان بن عبد الجبار بن أرتق" وهو ابن أخ الأمير " إيلغازي" .
واستفاد "بلدوين" ملك مملكة " بيت المقدس" من تفكك دولة الأراتقة فغزا إقليم "بزاعة" وهاجم "بالس" واستولى على "البيرة" وبذلك أصبحت "حلب" محاصرة بممتلكات الصليبين وقواتهم الأمر الذي جعل "سليمان بن عبد الجبار " يهادن ويطلب الصلح من "بلدوين الثاني" ( سنة 517 هـ/ 1123م ) مقابل ردّ "الأتارب" إلى إمارة "إنطاكية"